فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله: {والذين يحاجون في الله} أي يخاصمون في دين الله قيل هم اليهود قالوا كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم فنحن خير منكم فهذه خصومتهم {من بعد ما استجيب له} أي من بعد ما استجاب الناس لدين الله تعالى فأسلموا ودخلوا في دينه لظهور معجزة نبيه صلى الله عليه وسلم: {حجتهم داحضة} أي خصومتهم باطلة {عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد} أي في الآخرة {الله الذي أنزل الكتاب بالحق} أي الكتاب المشتمل على أنواع الدلائل والأحكام {والميزان} أي العدل سمي العدل ميزانًا لأن الميزان آلة الإنصاف والتسوية، قال ابن عباس: أمر الله تعالى بالوفاء ونهى عن البخس {وما يدريك لعل الساعة قريب} أي وقت إتيانها قريب وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الساعة وعنده قوم من المشركين فقالوا تكذيبًا له متى تكون الساعة فأنزل الله تعالى: {يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها} أي ظنًا منهم أنها غير آتية {والذين آمنوا مشفقون} أي خائفون {منها ويعلمون أنها الحق} أي أنها آتية لا شك فيها {ألا إن الذين يمارون} أي يخاصمون {في الساعة} وقيل يشكون فيها {لفي ضلال بعيد}.
{الله لطيف بعباده} أي كثير الإحسان إليهم، قال ابن عباس: حفي بهم وقيل رفيق وقيل لطيف بالبر والفاجر حيث لم يهلكهم جوعًا بمعاصيهم يدل عليه قوله تعالى: {يرزق من يشاء} يعني أن الإحسان والبر إنعام في حق كل العباد وهو إعطاء ما لا بد منه فكل من رزقه الله تعالى من مؤمن وكافر وذي روح فهو ممن يشاء الله أن يزرقه، وقيل لطفه في الرزق من وجهين أحدهما أنه جعل رزقكم من الطيبات والثاني أنه لم يدفعه إليكم مرة واحدة {وهو القوي} أي القادر على كل ما يشاء {العزيز} أي الذي لا يغالب ولا يدافع {من كان يريد حرث الآخرة} أي كسب الآخرة والمعنى من كان يريد بعمله الآخرة {نزد له في حرثه} أي بالتضعيف الواحدة إلى عشرة إلى ما يشاء الله تعالى من الزيادة، وقيل إنا نزيد في توفيقه وإعانته وتسهيل سبيل الخيرات والطاعة إليه {ومن كان يريد حرث الدنيا} يعني يريد بعمله الدنيا مؤثرًا لها على الآخرة {نؤته منها} أي ما قدر وقسم له منها {وما له في الآخرة من نصيب} يعني لأنه لم يعمل لها، عن أبي بن كعب قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «بشر هذه الأمة بالسنا والرفعة والتمكين في الأرض فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب» ذكره في جامع الأصول ولم يعزه إلى أحد من الكتب الستة وأخرجه البغوي بإسناده.
قوله تعالى: {أم لهم} يعني كفار مكة {شركاء} يعني الأصنام وقيل الشياطين {شرعوا لهم من الدين} قال ابن عباس شرعوا لهم غير دين الإسلام {ما لم يأذن به الله} يعني أن تلك الشرائع بأسرها على خلاف دين الله تعالى الذي أمر به وذلك أنهم زينوا لهم الشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا لأنهم لا يعلمون غيرها {ولولا كلمة الفصل} يعني أن الله حكم بين الخلق بتأخير العذاب عنهم إلى يوم القيامة {لقضي بينهم} أي لفرغ من عذاب الذين يكذبونك في الدنيا {وإن الظالمين} يعني المشركين {لهم عذاب أليم} أي في الآخرة {ترى الظالمين} يعني يوم القيامة {مشفقين} أي وجلين خائفين {مما كسبوا} أي من الشرك والأعمال الخبيثة {وهو واقع بهم} أي جزاء كسبهم واقع بهم {والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات} لأن هذه الروضات أطيب بقاع الجنة فلذلك خص الذين آمنوا وعملوا الصالحات بها وفيه تنبيه على أن الجنة منازل غير الروضات هي لمن هو دون الذين عملوا الصالحات من أهل القبلة {لهم ما يشاؤون عند ربهم} أي من الكرامة {ذلك هو الفضل الكبير ذلك} أي الذي ذكر من نعيم الجنة الذي يبشر الله به عباده {الذين آمنوا وعملوا الصالحات} قوله: {قل لا أسألكم عليه} أي على تبليغ الرسالة {أجرًا} أي جزاء {إلا المودة في القربى} (خ) عن ابن عباس أنه سئل عن قوله: {إلا المودة في القربى} فقال سعيد بن جبير قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس: عجبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن بطن من قريش إلا وله فيهم قرابة فقال ألا تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة، وعن ابن عباس أيضًا في قوله: {إلا المودة في القربى}: يعني أن تحفظوا قرابتي وتودوني وتصلوا رحمي، وإليه ذهب مجاهد وقتادة وعكرمة ومقاتل والسدي والضحاك (خ) عن ابن عمر أن أبا بكر قال: ارقبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته واختلفوا في قرابته، فقيل علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله تعالى عنهم وقيل أهل بيته من تحرم عليه الصدقة من أقاربه وهم بنو هاشم وبنو المطلب الذين لم يفترقوا في جاهلية ولا في إسلام (م).
عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله تعالى واستمسكوا به» فحثَّ على كتاب الله ورغب فيه ثم قال «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي فقال له حصين من أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته قال نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرمت عليهم الصدقة بعده قال ومن هم قال هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس».
فإن قلت طلب الأجر على تبليغ الرسالة والوحي لا يجوز لقوله في قصة نوح عليه السلام وغيره من الأنبياء {وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين} قلت لا نزاع في أنه لا يجوز طلب الأجر على تبليغ الرسالة.
بقي الجواب عن قوله: {إلا المودة في القربى}.
فالجواب عنه من وجهين: الأول معناه لا أطلب منكم إلا هذه وهذا في الحقيقة ليس بأجر ومنه قول الشاعر:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم

بهن فلول من قراع الكتائب

معناه إذا كان هذا عيبهم فليس فيهم عيب بل هو مدح فيهم ولأن المودة بين المسلمين أمر واجب وإذا كان كذلك في حق جميع المسلمين كان في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أولى فقوله: {قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى} المودة في القربى ليست أجرًا في الحقيقة لأن قرابته قرابتهم فكانت مودتهم وصلتهم لازمة لهم فثبت أن لا أجر البتة، والوجه الثاني أن هذا الاستثناء منقطع وتم الكلام عند قوله قل لا أسألكم عليه أجرًا ثم ابتدأ فقال إلا المودة في القربى أي لكن أذكركم المودة في قرابتي الذين هم قرابتكم فلا تؤذوهم؛ وقيل: إن هذه الآية منسوخة وذلك لأنها نزلت بمكة وكان المشركون يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية فأمرهم فيها بمودة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلة رحمه فلما هاجر إلى المدينة وآواه الأنصار ونصروه أحب الله تعالى أن يلحقه بإخوانه من النبيين فأنزل الله تعالى:
{أم يقولون} أي بل يقول كفار مكة {افترى على الله كذبًا} فيه توبيخ لهم معناه أيقع في قلوبهم ويجري على لسانهم أن ينسبوا مثله إلى الكذب وأنه افترى على الله كذبًا وهو أقبح أنواع الكذب {فإن يشأ الله يختم على قلبك} أي يربط على قلبك بالصبر حتى لا يشق عليك أذاهم وقولهم إنه مفتر وقيل معناه يطبع على قلبك فينسيك القرآن وما أتاك فأخبرهم أنه لو افترى على الله بالفعل به ما أخبر به في هذه الآية {ويمح الله الباطل} أخبره الله تعالى أن ما يقولونه الباطل والله يمحوه {ويحق الحق بكلماته} أي يحق الإسلام بما أنزل من كتابه وقد فعل الله تعالى ذلك فمحا باطلهم وأعلى كلمة الإسلام {إنه عليم بذات الصدور} قال ابن عباس: لما نزلت {قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى} وقع في قلوب قوم منها شيء وقالوا يريد أن يحثنا على أقاربه من بعده فنزل جبريل فأخبره أنهم اتهموه وأنزل الله هذه الآية فقال القوم يا رسول الله فإنا نشهد أنك صادق فنزل قوله: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده} قال ابن عباس يريد أولياؤه وأهل طاعته.
فصل في ذكر التوبة وحكمها:
قال العلماء التوبة واجبة من كل ذنب فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط:
أحدها: أن يقلع عن المعصية.
والثاني: أن يندم على فعلها.
والثالث: أن يعزم على أن لا يعود إليها أبدًا.
فإذا حصلت هذه الشروط صحت التوبة وإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته وإن كانت المعصية تتعلق بحق آدمي فشروطها أربعة هذه الثلاثة والشرط الرابع أن يبرأ من حق صاحبها فهذه شروط التوبة وقيل التوبة الانتقال عن المعاصي نية وفعلًا والإقبال على الطاعات نية وفعلًا، وقال سهل بن عبد الله التستري: التوبة الانتقال من الأحوال المذمومة إلى الأحوال المحمودة (خ).
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» (م) عن الأغر بن بشار المزني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا «أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة» (ق) عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقد ذهبت راحلته فطلبها حتى إذا اشتد الحر والعطش أو ما شاء الله قال أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها طعامه وشرابه فالله أشد فرحًا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده الدوية الفلاة والمفازة».
{ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات} يعني يجيب المؤمنون الله تعالى فيما دعاهم لطاعته وقيل معناه ويجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات إذا دعوه، وقال ابن عباس: ويثبت الذين آمنوا {ويزيدهم من فضله} أي سوى ثواب أعمالهم تفضلًا منه، وقال ابن عباس: يشفعهم في إخوانهم ويزيدهم من فضله، قال في إخوان إخوانهم {والكافرون لهم عذاب شديد}. اهـ.

.قال ابن جزي:

{حم عسق}.
الكلام فيه كسائر حروف الهجاء حسبما تقدم في سورة البقرة، وقد حكى الطبري أن رجلًا سأل ابن عباس عن {حم عسق} فأعرض عنه، فقال حذيفة: إنما كرهها ابن عباس، لأنها نزلت في رجل من أهل بيته اسمه عبد الله يبني مدينة على نهر من أنهار المشرق، ثم يخسف الله بها في آخر الزمان، والرجل على هذا أبو جعفر المنصور، والمدينة بغداد. وقد ورد في الحديث الصحيح أنها يخسف بها {كَذَلِكَ يوحي إِلَيْكَ} الكاف نعت لمصدر محذوف، والإشارة بذلك إلى تضمنه القرآن أو السورة، وقيل: الإشارة لقوله: {حم عسق} فإن الله أنزل بهذه الأحرف بعينها في كتاب أنزله، وفي صحة هذا نظر {الله العزيز الحكيم} اسم الله فاعل بيوحِي، وأما على قراءة{مِن فَوْقِهِنَّ} الضمير للسموات والمعنى يتشققن من أعلاهن، وذلك مبالغة في التهويل، وقيل: الضمير للأرضين وهذا بعيد، وقيل: الضمير للكفار كأنه قال: من فوق الجماعات الكافرة التي من أجل أقوالها تكاد السماوات يتفطرن، وهذا أيضًا بعيد {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأرض} عموم يراد به الخصوص؛ لأن الملائكة إما يستغفرون للمؤمنين من أهل الأرض، فهي كقوله: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ} [غافر: 7]. وقيل: إنّ يستغفرون للذين آمنوا نسخ هذه الآية، وهذا باطل، لأن النسخ لا يدخل في الأخبار، ويحتمل أن يريد بالاستغفار طلب الحلم عن أهل الأرض مؤمنهم وكافرهم، ومعناه: الإمهال لهم، وأن لا يعالجوا بالعقوبة فيكون عامًا، فإن قيل: ما وجه اتصال قوله: {والملائكة يُسَبِّحُونَ} الآية: بما قبلها؟ فالجواب أنا إن فسرنا تفطر السماوات بأنه من عظمة الله؛ فإنه يكون تسبيح الملائكة أيضًا تعظيمًا له، فينتظم الكلام، وإن فسرنا تفطرها بأنه من كفر بني آدم؛ فيكون تسبيح الملائكة تنزيهًا لله تعالى عن كفر بني آدم، وعن أقوالهم القبيحة.
{أُمَّ القرى} هي مكة، والمراد أهلها، ولذلك عطف عليه {وَمَنْ حَوْلَهَا} يعني من الناس {يَوْمَ الجمع} يعني يوم القيامة وسمي بذلك لأن الخلائق يجتمعون فيه.
{أَمِ اتخذوا} أم منقطعة، والأولياء هنا المعبودون من دون الله.
{فَحُكْمُهُ إِلَى الله} أي ما اختلفهم فيه أنتم والكفار من أمر الدين فحكمه إلى الله؛ بأن يعاقب المبطل ويثيب المحق؛ أو ما اختلفتم فيه من الخصومات فتحاكموا فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كقوله: {فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول} [النساء: 59].
{مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} يعني الإناث {وَمِنَ الأنعام أَزْواجًا} يحتمل أن يريد الإناث أو الأصناف {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} معنى يذرؤكم يخلقكم نسلًا بعد نسل وقرنًا بعد قرن، يكثركم، والضمير المجرور يعود على الجعل الذي يتضمنه قوله: {جَعَلَ لَكُم}، وهذا كما تقول كلمت زيدًا كلامًا أكرمته فيه، وقيل: الضمير للتزويج الذي دل عليه قوله: {أَزْوَاجًا}، وقال الزمخشري: تقديره {يَذْرَؤُكُمْ} في هذا التدبير. وهو أن جعل الناس والأنعام أزواجًا، والضمير في {يذرؤكم} خطاب للناس؛ والأنعام غلَّب فيه العقلاء على غيرهم، فإن قيل: لم قال: {يذرؤكم فيه} وهلا قال يذرؤكم به؟ فالجواب: أن هذا التدبير جعل كالمنبع والمعدن للبث والتكثير قاله الزمخشري {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} تنزيه لله تعالى عن مشابهة المخلوقين، قال كثير من الناس: الكاف زائدة للتأكيد، والمعنى ليس مثله شيء، وقال الطبري وغيره ليست بزائدة، ولكن وضع مثله موضع هو، والمعنى ليس كهو شيء قال الزمخشري: وهذا كما تقول: مثلك لا يبخل، والمراد: أنت لا تبخل، فنفى البخل عن مثله والمراد نفيه عن ذاته.
{مَقاليدُ} قد ذكر في [الزمر: 63].
{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحًا} اتفق دين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مع جميع الأنبياء في أصول الاعتقادات، وذلك هو المراد هنا، ولذلك فسره بقوله: {أَنْ أَقِيمُواْ الدين} يعني إقامة الإسلام الذي هو توحيد الله وطاعته، والإيمان برسله وكتبه وبالدار الآخرة، وأما الأحكام الفروعية، فاختلفت فيها الشرائع فليست تراد هنا {أَنْ أَقِيمُواْ} يحتمل أن تكون أن في موضع نصب بدلًا من قوله: {مَا وصى} أو في موضع خفض بدلًا من به، أو في موضع رفع على خبر ابتداء مضمر، أو تكون مفسرة لا موضع لها من الإعراب {كَبُرَ عَلَى المشركين مَا تَدْعُوهُمْ إليه} أي صعب الإسلام على المشركين {الله يجتبي إليه مَن يَشَاء} الضمير في إليه يعود على الله تعالى، وقيل على الدين.
{وَمَا تفرقوا} يعني أهل الأديان المختلفة من اليهود والنصارى وغيرهم {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ} يعني القضاء السابق بأن لا يفصل بينهم في الدنيا {وَإِنَّ الذين أُورِثُواْ الكتاب} يعني المعاصرين لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى، وقيل: يعني العرب، والكتاب على هذا القرآن {لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ} الضمير للكتاب، أو للدين أو لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
{فَلِذَلِكَ فادع} أي إلى ذلك الذي شرع الله، فادع الناس فاللام بمعنى إلى، والإشارة بذلك إلى قوله شرع لكم من الدين أو إلى قوله: {ما تدعوهم إليه} وقيل: إن اللام بمعنى أجل، والإشارة إلى التفرق والاختلاف، أي لأجل ما حدث من التفرق ادع إلى الله وعلى هذا يكون قوله: واستقم معطوفًا، وعلى الأول يكون مستأنفًا فيوقف على {فادع واستقم} {كَمَا أُمِرْتَ} أي دُمْ على ما أمرت به من عبادة الله وطاعته وتبليغ رسالته {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ} لضمير الكفار وأهواؤهم ما كانوا يحبون من الكفر والباطل كله {وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} قيل: يعني العدل في الأحكام إذا تخاصموا إليه، ويحتمل أن يريد بالعدل في دعائهم إلى دين الإسلام، أي أمرت أن أحملكم على الحق {لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} أي لا جدال ولا مناضرة، فإن الحق قد ظهر وأنتم تعاندون.